فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع} وفيه وجهان:
أحدهما: أي قليل ذاهب، قاله مجاهد.
الثاني: زاد الراعي، قاله ابن مسعود. ويحتمل.
ثالثًا: وما جعلت الحياة الدنيا إلا متاعًا يتزود منها إلى الآخرة من التقوى والعمل الصالح.
قوله عز وجل: {والذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}
فيه أربعة أوجه:
أحدها: بذكر الله بأفواههم، قاله قتادة.
الثاني: بنعمة الله عليهم.
الثالث: بوعد الله لهم، ذكره ابن عيسى.
الرابع: بالقرآن، قاله مجاهد.
{ألا بذكر الله تطمئن القلوب} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: بطاعة الله.
الثاني: بثواب الله.
الثالث: بوعد الله تعالى لهم.
قوله عز وجل: {والذين ءامنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: أن طوبى اسم من أسماء الجنة، قاله مجاهد.
الثالث: معنى طوبى لهم حسنى لهم، قاله قتادة.
الرابع: معناه نِعَم مالهم، قاله عكرمة.
الخامس: معناه خير لهم، قاله إبراهيم.
السادس: معناه غبطة لهم، قاله الضحاك.
السابع: معناه فرح لهم وقرة عين، قاله ابن عباس.
الثامن: العيش الطيب لهم، قاله الزجاج.
التاسع: أن طوبى فُعلى من الطيب كما قيل أفضل وفضلى، ذكره ابن عيسى.
وهذه معان أكثرها متقاربة.
وفيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها كلمة حبشية، قاله ابن عباس.
الثاني: كلمة هندية، قاله عبد الله بن مسعود.
الثالث: عربية، قاله الجمهور. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {الله يبسط الرزق لمن يشاء} الآية، لما أخبر عمن تقدمت صفته بأن: {لهم اللعنة ولهم سوء الدار} أنحى بعد ذلك على أغنيائهم، وحقر شأنهم وشأن أموالهم، المعنى: أن هذا كله بمشيئة الله، يهب الكافر المال ليهلكه به، ويقدر على المؤمن ليعظم بذلك أجره وذخره.
وقوله: {ويقدر} أي من التقدير، فهو مناقض يبسط. ثم استجهلهم في قوله: {وفرحوا بالحياة الدنيا} وهي بالإضافة إلى الآخرة متاع ذاهب مضمحل يستمتع به قليلًا ثم يفنى. و«المتاع»: ما يتمتع به مما لا يبقى وقال الشاعر: الوافر:
تمتَّعْ يا مشعث إن شيئًا ** سبقت به الممات هو المتاع

وقوله تعالى: {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية} الآية، هذا رد على مقترحي الآيات من كفار قريش، كسقوط السماء عليهم كسفًا ونحو ذلك من قولهم: سيَّر عنا الأخشبين واجعل لنا البطاح محارث ومغترسًا كالأردن، وأحي لنا قصيًّا وأسلافنا، فلما لم يكن ذلك- بحسب أن آيات الاقتراح لم تجر عادة الأنبياء بالإتيان بها إلا إذا أراد الله تعذيب قوم- قالوا هذه المقالة، فرد الله عليهم: {قل...} أي أن نزول الآية لا تكون معه ضرورة إيمانكم ولا هداكم، وإنما الأمر بيد الله: {يضل من يشاء ويهدي} إلى طاعته والإيمان به: {من أناب} إلى الطاعة وآمن بالآيات الدالة.
ويحتمل أن يعود الضمير في: {إليه} على القرآن الكريم، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام. و: {الذين} بدل من: {من} في قوله: {من أناب} و«طمأنينة القلوب» هي الاستكانة والسرور بذكر الله. والسكون به كمالًا به. ورضى بالثواب عليه وجودة اليقين.
ثم استفتح عز وجل الإخبار بأن طمأنينة القلوب بذكر الله تعالى.. وفي هذا الإخبار حض وترغيب في الإيمان، والمعنى: أن بهذا تقع الطمأنينة لا بالآيات المقترحة، بل ربما كفر بعدها، فنزل العذاب كما سلف في بعض الأمم.
و{الذين} الثاني ابتداء وخبره: {طوبى لهم} ويصح أن يكون: {الذين} بدلًا من الأول. و: {طوبى} ابتداء و: {لهم} خبره. و: {طوبى} اسم، يدل على ذلك كونه ابتداء. وهي فعلى من الطيب في قول بعضهم، وذهب سيبويه بها مذهب الدعاء وقال: هي في موضع رفع، ويدل على ذلك رفع: {وحسن}. وقال ثعلب: {طوبى} مصدر. وقرئ: {وحسنَ} بالنصب ف: {طوبى} على هذا مصدر كما قالوا: سقيًا لك، ونظيره من المصادر الرجعى والعقبى. قال ابن سيده: والطوبى جمع طيبة عن كراع. ونظيره كوسى في جمع كيسة وضوفى في جمع ضيفة.
قال القاضي أبو محمد: والذي قرأ: {وحسنَ} بالنصب هو يحيى بن يعمر وابن أبي عبلة واختلف في معنى: {طوبى} فقيل: خير لهم، وقال عكرمة: معناه نعم ما لهم، وقال الضحاك: معناه: غبطة لهم. وقال ابن عباس: {طوبى}: اسم الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن مسجوع: اسم الجنة: {طوبى} بالهندية، وقيل: {طوبى}: اسم شجرة في الجنة- وبهذا تواترت الأحاديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى شجرة في الجنة، يسير الراكب المجدّ في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرؤوا إن شئتم»: {وظل ممدود} [الواقعة: 30] وحكى الطبري عن أبي هريرة وعن مغيث بن سميّ وعتبة بن عبد يرفعه أخبارًا مقتضاها: أن هذه الشجرة ليس دار في الجنة إلا وفيها من أغصانها، وأنها تثمر بثياب أهل الجنة، وأنه يخرج منها الخيل بسروجها ولجمها ونحو هذا مما لم يثبت سنده.
و{المآب}: المرجع من آب يؤوب. ويقال في: {طوبى} طيبى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء} أي: يوسِّع على من يشاء: {ويقدر} أي: يضيِّق.
{وفرحوا بالحياة الدنيا} قال ابن عباس: يريد مشركي مكة، فرحوا بما نالوا من الدنيا فطغَوْا وكذَّبوا الرسل.
قوله تعالى: {وما الحياة الدنيا في الآخرة} أي: بالقياس إِليها: {إِلا متاع} أي: كالشيء الذي يُتمتع به، ثم يفنى.
قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا}
نزلت في مشركي مكة حين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل آيات الأنبياء.
{قل إِن الله يُضل من يشاء} أي: يردُّه عن الهدى كما ردَّكم بعدما أنزل من الآيات وحرمكم الاستدلال بها،: {ويهدي إِليه من أناب} أي: رجع إِلى الحق، وإِنما يرجع إِلى الحق من شاء اللهُ رجوعه، فكأنه قال: ويهدي من يشاء.
قوله تعالى: {الذين آمنوا}
هذا بدل من قوله: {أناب}، والمعنى: يهدي الذين آمنوا،: {وتطمئن قلوبهم بذِكر الله} في هذا الذِّكر قولان:
أحدهما: أنه القرآن.
والثاني: ذِكر الله على الإِطلاق.
وفي معنى هذه الطمأنينة قولان:
أحدهما: أنها الحُب له والأُنس به.
والثاني: السكون إِليه من غير شك، بخلاف الذين إِذا ذُكر الله اشمأزت قلوبهم.
قوله تعالى: {ألا بذِكر الله} قال الزجاج: {ألا} حرف تنبيه وابتداء، والمعنى: تطمئن القلوب التي هي قلوب المؤمنين، لأن الكافر غير مطمئن القلب.
قوله تعالى: {طوبى لهم} فيه ثمانية أقوال:
أحدها: أنه اسم شجرة في الجنة.
روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها»، وقال أبو هريرة: طوبى: شجرة في الجنة، يقول الله عز وجل لها: تفتَّقي لعبدي عما شاء، فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجمها، وعن الإِبل بأزمَّتها: وعمَّا شاء من الكسوة.
وقال شهر بن حوشب: طوبى: شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها أغصانها، من وراء سور الجنة، وهذا مذهب عطية، وشمر بن عطية، ومغيث بن سُمَي، وأبي صالح.
والثاني: أنه اسم الجنة بالحبشية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور عن سعيد بن مَسْجوح قال: طوبى: اسم الجنة بالهندية، وممن ذهب إِلى أنه اسم الجنة عكرمة، وعن مجاهد كالقولين.
والثالث: أن معنى طوبى لهم: فرح وقُرَّة عين لهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: أن معناه: نُعمى لهم، قاله عكرمة في رواية، وفي رواية أخرى عنه: نِعم مالهم.
والخامس: غبطة لهم، قاله سعيد بن جبير، والضحاك.
والسادس: أن معناه: خير لهم، قاله النخعي في رواية، وفي أخرى عنه قال: الخير والكرامة اللَّذان أعطاهم الله.
وروى معمر عن قتادة قال: يقول الرجل للرجل: طوبى لك، أي: أصبتَ خيرًا، وهي كلمة عربية.
والسابع: حسنى لهم، رواه سعيد عن قتادة عن الحسن.
والثامن: أن المعنى: العيش الطِّيب لهم.
{وطوبى} عند النحويين: فُعلى من الطيب، هذا قول الزجاج.
وقال ابن الأنباري: تأويلها: الحال المستطابة، والخَلَّة المستلَذَّة، وأصلها: طُيْبى فصارت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها كما صارت في مُوقن والأصل فيه مُيْقن لأنه مأخوذ من اليقين، فغلبت الضمة فيه الياء فجعلتها واوًا. قوله تعالى: {وحسن مآب} المآب: المرجع والمنقلَب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}
لما ذكر عاقبة المؤمن وعاقبة المشرك بيّن أنه تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا، لأنها دار امتحان؛ فبَسْط الرزق على الكافر لا يدلّ على كرامته، والتّقتير على بعض المؤمنين لا يدلّ على إهانتهم.